فتح الباب لكارهة الحجابفي يوم مشرق من شهر آب ، خرير ماء و صفاء سماء زرقاء بلا سحاب ، والجو نقاء والأرض زرابي خضراء من كثرة الأعشاب ، شذى أزهار وشجي أطيار تحوم في أسراب ، وتحت شجرة وارفة الأغصان متشابكة الأفنان عتيقة الأحقاب ، ثلاث بنات يافعات في سن الشباب ، في ضجة ورجة وبهجة الأتراب ، سلمى هنا وزينب هناك وتلك رباب . دَنوتُ منهن خلسة وبالغت في الاقتراب ، تقول إحداهن : ما اسم هذا الطائر شحرور أم غراب ؟ تتعالى أصواتهن ويزداد الاضطراب ، يعلن الطائر سخطه ويعلن الانسحاب ، لحظات صمت تعيد صدى الطبيعة وألحان الغاب ، والريح تعزف مع أوراق الشجر جِيئة وذهاب .....
الصاحبات تلميذات بشعبة الآداب ، فعدد الأيام التي جمعتهن كأعواد الثقاب ، فلا تغضب هذه من الأخرى ولا تناقشها الحِساب ، وإن تجادلن مرة فلا لوم ولا عتاب ، إلا موضوع واحد يخفينه في الدولاب ، فكلما ذكرنه صارت المحبة في تَبَاب ، اختلفت فيه آراؤهن وحارت الألباب ، إنه أمر يهم المسماة رباب ، فسلمى تلومها دوما على لبس الحجاب ، وتبالغ في تقريعها ووصفها بالارتياب ، وزينب لا إلى هذه تميل ولا إلى الأخرى تحاول الاقتراب ، وفي هذا الجو المنسجم يا أصحاب ، يتمنين ألا يبدأ الجدال لعدة أسباب ، لكن الرياح تجري بما لا يروق لمن ركب البحر وجاب ....
قالت سلمى : ألا تشعرين بالحَرِّ يا رباب ؟ أزيلي قماشك مثلما كشفنا الرقاب ، لازلتِ تُحِبِّين الوصف بالتزمت والإرهاب ، عجيب أمرك بل عجب عُجاب ، أجابتها بحزم الثابت الذي لا يهاب : لا عليك فليس يضر السحاب نبح الكلاب ، ثم إن الناس لن يرضوا عن هذه الثياب، فلا أرجو أكثر من رضا رب الأرباب ، قالت سلمى البسي سروالا فلما الجلباب ؟ ثم إن هذا ليس من الدين بل هذا للحرية استلاب ، كذبوا على الإسلام وبئس الكِذاب ، ديننا تحرر ومن خالفني فما أصاب ، أليس الحجاب كما قالوا في سورة الأحزاب ؟ فهو فقط لأزواج النبي أفيقي من سكرة الشراب ، لك عقل به فكري ولا تتبعي السراب ، ما اقتنعتُ يوما بقماش على شعري فكيف بهذا النقاب ؟ تبسمت سلمى تبسم الذي لا يخشى الصعاب ، ثم زفرت زفرة مَكلومٍ عَلاهُ الاكتراب ، وقالت : اليوم أفصل في هذا الخطاب ، اليوم أُجَلِّي ما حجبه عنك الضباب ، فتعودي إلى الحق ويا حسن المآب ، إن الحلوى المَحجوبة مصونة والعارية يقصِدها الذباب ، إن الكوب المغطى يقصده الذي يريد الشراب ، والعاري مرغوب عنه مهما كثرت الأكواب ، والثمين من الجواهر في حِرز عليه أقفال صِلاب ، كذلك المرأة غالية مصونة بالحجاب ، لذلك فرضه الإسلام وأورده جليا في الكتاب ، ومن قال إنه لزوجات النبي ولله ما أصاب،أما تقرئين قوله تعالى : "ونساء المؤمنين" في الأحزاب ؟ ومن قال غير هذا فمُدلِّس ربه لا يهاب ، ثم هل تَشَبُّهٌ بزوجات النبي شيء يُعاب ؟ بل شرف و أي شرف وانتساب ، فمن التائه بيننا الضائع وسط الشِّعاب ؟ لا تهتمي إن وُصِفتِ بشيء من تِلكُم الألقاب ، فقائله حسود أراد لك الاغتراب ، أراد عيش الوحوش ومنطق الغاب ، لا دين ولا خلق ولا حياء ولا آداب ، تراهم بخبثهم على الشهوات في انكباب ، فكما بيوتهم خربوا أرادوا لنا الخراب ، بثُّوا سمومهم ولِزَوالِنا هم في ارتقاب ، مزقوا العفة شتتوا الشمل وقطعوا الأنساب ، الإسلام عندهم سبب التأخر فهم المِشجاب ، ليتهم أنصفوا وسمعوا منا الجواب ، لكنهم طبول للغرب أبواق للخراب ، سلي ذوات الستر عن سعادة النفوس وميزات الحجاب ، تمشي كأميرة مرفوعةَ الرأس موفورةَ الجناب ، في احترام واضح الكل لها يهاب، فلا لصا تخاف ولا متفلتا من الشباب،ومن فكر في الشر حسب لفعله الحساب ...
قامت زينب غاضبة تنفض عن ساقيها الغبار، تقول : العفة ؟؟؟ الحياء ؟؟؟ الآداب ؟؟؟ هيهات هيهات كلامك شِبه ُالسراب ، ألا ترين فِعَال بعض مَن شَمَلتِ بالخطاب ؟ فَاقَت أفعالهن كثيرا ممن تبرجن وتعرين في الثياب ، أهذا ما تَوَلَّدَ عن حجابكن؟ بئس ذا الإنجاب ، قامت سلمى لتُجيب والهامةُ في انتصاب : ذاك ليس حجابا وإلا فبئس الحجاب ، متى كان فقط ستر الشعور هو الصواب ؟ بل تحقيق خلق النساء التي وصف الكتاب ، من عفةٍ وطهارةٍ وبعدٍ عما يجلب الارتياب ، المؤمن من خاف الإله وعمل خوف الحساب ، مع محبة وطاعة ورجا الثواب ، ولنفترض أن كلامك محض الصواب ، فإن من وصفتِ الملومات وليس الملوم هو الحجاب ، فكم تحصي الأرض من طائعةٍ مثيرةِ الإعجاب ؟ فكوني أنت مثلهن وأكملي النِّصَاب ، إن الله رحيم لم يُرِد تضيقا علينا ولا عذاب ...
بدأت الشمس تمييل إلى الغياب ، وحان وقت الانصراف والإياب ، ضَمَّت سلمى صاحبتيها وهَمَمنَ بالانسحاب ، بعد أن أقررن أن كلامها صدق لا يُعاب ، حنَّت الطيور لأعشاشها وعوت في الغاب الذئاب ،أرخى الليل أستاره وأضاء الشهاب ...
أخونا الكريم : أبو الوليد الصفريوي ، جزاه الله خيرا
لا تنسوه وإيانا من دعائكم.